فصل حوادث سنة تسع
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ودخلت سنة تسع بعث المصدقين يأخذون الصدقات من الأعراب .
وفيها : بعث عليا رضي الله عنه إلى صنم طيئ ليهدمه . فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر . فهدموه وملئوا أيديهم من السبي والنعم والشاء . وفي السبي سفانة أخت عدي بن حاتم ، وهرب عدي إلى الشام . ووجد في خزانته ثلاثة أسياف وثلاثة أدرع . وقسم علي الغنائم في الطريق ولم يقسم السبي من آل حاتم حتى قدم بهم المدينة .
قال عدي : ما كان رجل من العرب أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ، حين سمعت به . وكنت رجلا شريفا نصرانيا . وكنت أسير في قومي بالمرباع . وكنت في نفسي على دين . فقلت لغلام لي راع لإبلي : اعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا . فإذا سمعت بجيش محمد قد وطئ هذه البلاد فآذني . فأتاني ذات غداة فقال ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنع الآن . فإني قد رأيت رايات فسألت عنها ؟ فقالوا : هذه جيوش محمد . قلت : قرب لي أجمالي . فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام وخلفت بنتا لحاتم في الحاضرة . فلما قدمت الشام أقمت بها ، وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ .
وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام . فمر بها . فقالت يا رسول الله غاب الوافد . وانقطع الوالد وأنا عجوز كبيرة . ما بي من خدمة فمن علي من الله عليك . فقال من وافدك ؟ قالت عدي بن حاتم ، قال الذي فر من الله ورسوله ؟ - وكررت عليه القول ثلاثة أيام - قالت فمن علي وسألته الحملان فأمر لها به وكساها وحملها وأعطاها نفقة .
فأتتني . فقالت لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها . ائته راكبا أو راهبا ، فقد أتاه فلان فأصاب منه وأتاه فلان فأصاب منه . قال فأتيته ، وهو جالس في المسجد . فقال القوم هذا عدي بن حاتم - وجئت بغير أمان ولا كتاب - فأخذ بيدي - وكان قبل ذلك قال إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي - فقام إلي فلقيت امرأة ومعها صبي . فقالا : إن لنا إليك حاجة . فقام معهما حتى قضى حاجتهما . ثم أخذ بيدي حتى أتى داره . فألقت له الوليدة وسادة . فجلس عليها ، وجلست بين يديه . فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال ما يفرك ؟ أيفرك أن يقال لا إله إلا الله ؟ فهل تعلم من إله سوى الله ؟ فقلت : لا . فتكلم ساعة . ثم قال أيفرك أن يقال الله أكبر ؟ وهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ قلت : لا ، قال فإن اليهود مغضوب عليهم . والنصارى ضالون فقلت : فإني حنيف مسلم . فرأيت وجهه ينبسط فرحا .
ثم أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار . وجعلت آتيه طرفي النهار . فبينا أنا عنده إذ جاءه قوم في ثياب من صوف من هذه الثمار فصلى ثم قام . فحث بالصدقة عليهم وقال أيها الناس ارضخوا من الفضل ولو بصاع ولو بنصف صاع ولو بقبضة ولو ببعض قبضة يقي أحدكم وجهه حر جهنم - أو النار - ولو بتمرة ولو بشق تمرة . فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة . فإن أحدكم لاق الله فقائل له أقول لكم ألم أجعل لك مالا وولدا ؟ فيقول بلى ، فيقول أين ما قدمت لنفسك ؟ فينظر قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله . فلا يجد شيئا يقي به وجهه حر جهنم ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فكلمة طيبة . فإني لا أخاف عليكم الفاقة . فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينة ما بين يثرب والحيرة ، ما تخاف على مطيتها السرق . فجعلت أقول فأين لصوص طيئ ؟ .